لماذا نضحك؟
دراسة جديدة أخذت في الاعتبار الأسباب التطورية كأسباب ممكنة وراء سلوك الإنسان هذا
بقلم: كارلو فاليريو بيليني، برفسور طب الأطفال، جامعة سيينا الإيطالية
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
22 سبتمبر 2022
المقالة رقم 265 لسنة 2022
Why do we laugh? New study considers possible evolutionary reasons behind this very human behaviour
September 22, 2022
Carlo Valerio Bellieni, Professor of Pediatrics, Università di Siena
لماذا نضحك؟
دراسة جديدة أخذت في الاعتبار الأسباب التطورية كأسباب ممكنة وراء سلوك الإنسان هذا
سيدة في حالة مخاض وتمر بظروف عصيبة، وفجأة صرخت مرددة كلمات أغنية(1)، ردعليها الطبيب: لا تقلقي هذه مجرد تقلصات ولادة حتى وقتنا الحاضر، سعت العديد من النظريات لتفسير السبب الذي يجعل الشيء مضحكًا إلى الحد الذي يبعثنا نحن على الضحك. هذه الأشياء تشمل تجاوز الحدود (الشيء الممنوع)، والإحساس بالفوقية/ الاستعلاء (سخرية / استهزاء / تهكم)، والتناقض- وجود معنيين غير متوافقين لنفس الموقف/ الحالة (كما قال هيغل: “ينشأ الضحك نتيجة لوجود تناقض بين المفهوم والمعنى الحقيقي الدفين الذي يقدمه هذا المفهوم”(2))
قررتُ مراجعة جميع الأوراق البحثية المتوفرة التي نشرت باللغة الإنجليزية في الضحك والفكاهة على مدى السنوات العشر الماضية لمعرفة ما إذا كان يمكن استخلاص أي استنتاجات أخرى. بعد دراسة أكثر من مائة ورقة بحثية، استخلصت في دراستي(3) لهذه الأبحاث تفسيرًا جديدًا ممكنًا: الضحك أداة ربما زودتنا بها الطبيعة لتساعدنا على البقاء على قيد الحياة.
بحثت في الأوراق المنشورة عن نظريات الفكاهة التي قدمت معلومات معتبرة عن ثلاثة مجالات: السمات المادية للضحك، ومراكز الدماغ المتعلقة بعملية الضحك والفوائد الصحية للضحك. وصل عدد الأوراق في هذا المجال إلى أكثر من 150 ورقة قدمت أدلة على السمات المهمة للحالات التي تبعث الناس على الضحك.
بعد تنظيم جميع النظريات في مجالات محددة، تمكنت من اختزال عملية الضحك إلى ثلاث خطوات رئيسة: الحيرة، والحل، والأمارة على أن كل شيء آمن تمامًا، كما سأبين.
وهذا يبعث على احتمال أن يكون الضحك قد بقي محفوظًا من خلال الانتقاء الطبيعي(4، 5)على مدى آلاف السنين الماضية وذلك لمساعدة الناس على البقاء على قيد الحياة. وقد يفسر الضحك أيضًا سبب انجذابنا إلى أشخاص يجعلوننا نضحك.
تطور الضحك
نظرية التناقض جيدة في تفسير الضحك الناجم عن سماع فكاهة، لكنها ليست كافية. في هذه الحالة، لا يتعلق الضحك بإحساس عام بأن الأشياء متناقضة أو غير متوافقة. وإنما يتعلق الأمر بأننا وجدنا أنفسنا في وضعية معينة مخالفة لتوقعاتنا للحالة الطبيعية.
على سبيل المثال، لو رأينا نمرًا يتجول في أحد شوارع المدينة، فقد يبدو الأمر مناقضًا لما هو متوقع، لكنه ليس بالأمر الكوميدي المضحك؛ بل على العكس، ستكون الحالة حالة رعب، ولكن لو كان النمر يتدحرج/ يتقلب على الأرض كما تتدحرج الكرة، فستصبح الحالة مثيرة للضحك.
مقطع فيديو قصير مُضحك
البطل هومر سيمبسون Homer Simpsonالمناهض للرسوم المتحركة يجعلنا نضحك عندما يسقط من سطح منزله ويرتد كما ترتد الكرة، أو عندما يحاول “خنق” ابنه بارت، وعيناه تضمران وتبرزان بسرعة ولسانه يضطرب كما لو كان من المطاط. هذه أمثلة على ممارسة بشرية تتحول إلى نسخة كرتونية مُضخمة لعالم يمكن أن يحدث فيه أي شيء – وخاصة الأشياء المثيرة للسخرية والضحك.
ولكن لكي يكون الحدث مثيرًا للضحك، لا بد أن يعتبر أيضًا غير ضار. نحن نضحك لأننا سلَّمنا بأن النمر أو هومر سيمبسون لا يسببون عمليًا ضررًا للآخرين، ولا لنفسيهما، لأن حقيقتهما ليست هي كذلك في الأساس.
وعليه حتى نختزل عملية الضحك إلى عملية تتكون من ثلاث خطوات:
أولاً، يحتاج الضحك إلى حالة تبدو طريفة وتبعث على الشعور بالتناقض (الارتباك/ الدهشة أو الذعر).
ثانيًا، يجب حل ومعالجة الهمَّ أو الضغط النفسي الذي تثيره الحالة المتناقضة والتغلب عليهما (الحل).
ثالثًا، الإصدار الفعلي للضحك يُعتبر جرسًا منبهًا للمتفرج [المتلقي أو المتفرج على مصدر الضحك] بأنه لا يوجد مصدر خطر والحالة آمنة.
قد يكون الضحك أمارة وظفها الناس على مدى آلاف السنين ليثبتوا للآخرين على أن استجابة الكر والفر(6) [الكر في حالة الأمان والفر في حالة الخوف] ليست مطلوبة وأن التهديد المتصور قد انتهى(7). لذلك الضحك غالبًا ما ينتشر بين الحاضرين بالعدوى: فهو يوحدنا ويجعلنا اجتماعيين أكثر، وأمارة على نهاية حالة الخوف أو الهم. الضحك يبعث على الشعور بأن الحياة لها قيمة ايجابية وتفاؤلية.
يمكننا ترجمة هذا مباشرة إلى فيلم Modern Times الذي عُرض عام 1936، حيث تقوم شخصية المتشرد الصغير لتشارلي تشابلن الكوميدية(8) بشد البراغي في مصنع بشكل مستمر وكأنه روبوت (إنسان آلي) لا رجل. هذا التصرف يجعلنا نضحك لأننا نريد بشكل لا شعوري أن نظهر للآخرين أن المشهد المزعج لرجل اختزل نفسه إلى روبوت آلي هو ضرب من الخيال. نعرف إنه مجرد إنسان لا آلة. لذلك لا يوجد سبب للقلق أو الخوف.
كيف يمكن أن تكون الفكاهة فعالة
وبالمثل، فإن النكتة في بداية هذا المقال تبدأ بمشهد من الحياة الطبيعية، ثم تتحول إلى شيء غريب ومحير بعض الشيء (المرأة في النكتة أعلاه تتصرف بشكل تناقضي(1)) ، لكننا أدركنا في النهاية أنها ليست جادة وهي في الواقع في حالة مثيرة للضحك (التورية(9)في ردة فعل الطبيب بعثت على الراحة)، مما أدى إلى الضحك.
كما أوضحتُ في دراسة سابقة(10) عن السلوك البشري للبكاء، فإن الضحك له أهمية كبيرة في فسيولوجيا الجسم. كالبكاء – ومضغ الطعام، أو التنفس أو المشي- الضحك هو رد فعل غريزي وغير منظم لمنبه خارجي للجسم.
مراكز الدماغ التي تنظم الضحك هي تلك التي تتحكم في الانفعالات والخوف والقلق. إصدار الضحك يكسر دورة الضغط النفسي أو التوتر جراء إحدى الحالات ويغمر الجسم بالراحة والاسترخاء.
غالبًا ما تستخدم الفكاهة في المستشفى لمساعدة المرضى على الشفاء، كما أظهرت دراسات العلاج بمساعدة برنامج استدعاء مهرج إلى المستشفى(11، 12). يمكن أن تحسن الفكاهة أيضًا من مستويات ضغط الدم والاستجابة المناعية(13) وتساعد في التغلب على القلق والاكتئاب(14).
أظهرت الأبحاث(15) التي تم التحقق منها في مراجعتي أيضًا أن الفكاهة مهمة في التدريس، وتستخدم لإبراز المفاهيم والأفكار والتركيز عليها. الفكاهة المتعلقة بالمواد الدراسية تبقي على حالة الانتباه مستمرة وتخلق بيئة تعليمية أكثر استرخاءً وخصبة. ومن الوجهة التدريسية، تحد الفكاهة أيضًا من القلق وتعزز المشاركة وتزيد من دوافعها.
الحب والضحك
مراجعة هذه المعطيات عن الضحك أيضًا تعطينا فرصة لطرح فرضية عن سبب وقوع الحب بين شخصين لأن الواحد منهما “يجعل الثاني يضحك”. هذه ليست مجرد مسألة أن تكون مثيرًا للضحك. يمكن أن يكون شيئًا آخر أكثر تعقيدًا. لو دفعنا ضحك شخص آخر إلى الضحك، فإن هذا الشخص يعطي إشارة لنا أنه بإمكاننا الاسترخاء، فنحن كلنا بأمان- وهذا يولد الثقة.
لو أن ضحكنا أثارته نكتة، فسيكون لها تأثير يجعلنا نتغلب على الخوف الناجم من موقف غريب أو غير مألوف. وإذا كانت قدرة شخص على الفكاهة مصدر إلهام لنا لنتجاوز خوفنا، فسنصبح أكثر انجذابًا إليه. هذا قد يفسر لماذا نعشق من يجعلنا نضحك.
في الأزمنة المعاصرة، بالطبع، نضحك مباشرة وبشكل تلقائي. نحن نستمتع بالضحك فقط كتجربة راقية ونشعر بالسعادة التي يجلبها معه. من وجهة نظر تطورية، ربما يكون هذا السلوك البشري بالذات قد أدى وظيفة مهمة من حيث الإحساس بالخطر والحفاظ على النفس. حتى الآن، إذا واجهنا خطرًا، فغالبًا ما نتفاعل بعده بالضحك ولذلك نشعر بالارتياح.
مصادر من داخل وخارج النص
1- كلمات الأغنية: “لا ينبغي أن يكون هذا شيئًا صعبًا: لم تتمكن من تحديد موقفك من علاقتنا الزوجية؛ أوه، أليس من الجيد أن نبقى صديقين؟ لكن لا ينبغي لنا، كما تعلم أنا لا أستطيع، لقد طفح الكيل” لو كان معي قلبك، فلن يكون الأمر بهذه الصعوبة ” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.songmeaningsandfacts.com/shouldnt-couldnt-wouldnt-by-88rising-niki-rich-brian/
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/ضحك
3- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0732118X22000472
4- https://www.nhm.ac.uk/discover/what-is-natural-selection.html
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/اصطفاء_طبيعي
6- https://www.psychologytools.com/resource/fight-or-flight-response/
7- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0306987798900615
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/المتشرد
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/تورية
10- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0732118X15300167
11- https://en.wikipedia.org/wiki/Clown_Care
12- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/35180260/
13- https://ar.wikipedia.org/wiki/استجابة_مناعة
14- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/34642668/
15- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/28679569/
المصدر الرئيس