في أحايين كثيرة قد تمرُّ علينا مواقف وأحوال وأشخاص فلا نتمعن في الأثر الذي تتركه ، ولا نتأمل حصيلة الخبرات التي تُمكننا من رفع مستوى وعينا ، وبعد لأي ( شهر ، سنة ، أعوام) ندرك ماغفلنا عنه ، وتكبر فينا العواطف كما تكبرُ أعمارنا ، فتأخذ هذه المواقف وتلك الأحوال والأشخاص بُعدا آخر ، ولربما استولى علينا الندم حينما ضيّعنا فرصة كانت سانحة ، وأملا كان وشيك التحقق .
فإذا كان هذا في دنيا عابرة ليس لنا فيها إلا شتات الأماني ، فكيف بالآخرة التي وعد الله فيها عباده ، وهو الحق : ” وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زُمرا حتى إذا جاءوها وفُتحت أبوابها وقال لهم خزنتُها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ، وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرضَ نتبوأ من الجنة حيثُ نشاء فنعم أجر العاملين ) الزمر
يتداول الناس لفظ ” البركة ” فيقولون : بارك الله فيك ، و منزل مبارك ، وقد ذُكرتْ في القرآن الكريم كثيرا ، ولعل البعض لايُدرك معناها وما ترمي إليه ، فوجدتني أبحثُ عما يُنير لي العتمة ، ويوضح مقاصد هذه اللفظة الجميلة ، فبدأتُ بمعجم لسان العرب لابن منظور :
البركة : النماء والزيادة ، والتبريك : الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة .
والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ، إذا حلّتْ في قليل كثرته ، وإذا حلّتْ في كثيرٍ نفع .
ومن أعظم ثمار البركة في الأمور كلها استعمالها في طاعة الله .
وبلا ريب كل واحد منا يحتاج للبركة في عمره ورزقه وأبنائه ، فلا يستطيع الاستغناء عنها في أي شأن من شؤونه .
وحتى تتحقق البركة ، فلا بد أن نعيش َ على منهج الله تعالى ، ونتبعَ هدي رسوله صلى الله عليه وسلم ، هذا هو السبيل الوحيد لتمتلئ حياتنا بركة ، فتعال معي قاريء الكريم لنسعد أنفسنا بما جاء في الكتاب والسنة ، ولنتمثل البركة قولا وفعلا ، هذه الفضيلة التي طالما غفلنا عنها ، وتجاهلنا أثرها العظيم في مجرى حياتنا ، وقد نتساءل فيمَ تكون البركة ؟؟؟
تكون البركة في : 1 – الأمكنة . 2 – والأزمنة . 3 – والأشخاص .
مثال الأمكنة : اسمع لسبحانه من قائل : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) الإسراء .
وبارك الله في بلاد الشام فقال : ( ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) الأنبياء .
مثال الأزمنة :
( والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ) الدخان .
( هذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه )
الأنعام .
( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) القدر .
مثال الأشخاص :
بارك الله في عيسى ، إذ قال على لسانه :( وجعلني مباركا أين ماكنتُ ) مريم .
( ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ) الأنبياء .
( وباركنا عليه وعلى اسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه ) الصافات .
ماالأمور التي تجلب البركة ؟؟
أولا – القرآن الكريم لقوله تعالى : ( وهذا ذكرٌ مبارك ) الأنبياء .
( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكروا أولو الألباب ) ص .
ثانيا- التقوى والإيمان لقوله تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) الأعراف .
ثالثا – أسماء الله مباركة .
( تبارك اسمُ ربك ذي الجلال والإكرام ) الرحمان .
رابعا – الدعاء ، إذ ندعو للمتزوجين بالبركة فنقول : ( بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في الخير ) أسوة بالنبي عليه السلام .
وشرع لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن ندعو بالبركة في طعامنا ، وإذا رأينا مايعجبنا ( اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ) .
خامسا – الاستغفار ، وهذه فضيلة ينبغي أن يحرص عليها المؤمن ، فكثرة الذنوب والمعاصي تحجب عن الإنسان البركة ، فنجده يسعى ويجمع ويتصدق ولا بركة في ماله ولا سعيه لذنوبه ومعاصيه ، فيأتي الاستغفار ثمرة مأتية ، ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) نوح .
سادسا – الرضا بالقضاء والقدر .
قال تعالى : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر .
سابعا – الحرص على المال الحلال ، فلا بركة في حرام قط .
و لا تنحصر في هذه فحسب ، بل تزيد وتتفرع لمن أراد الاستزادة .
نخلص من هذا إلى أن البركة في الأرزاق و الأعمار والأوقات إنما تتحقق بمراعاة منهج الحق – سبحانه – في جميع أمور حياتنا ، ومثلما وجدت أسباب البركة ، فهناك أمور تسلب البركة – وقانا الله – نجدها في صور المعاصي وأنواعها ، وفي هذه التفاتة للباحثين للدراسة والبحث عنها .
نسألُ الله أن يبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا ، وأن يجنبنا المعاصي والمنكرات ماظهر منها وما بطن ، إنه سميع مجيب .
د / منى محمد أبوهملاء
والله البركة حلت علينا وعلى الصحيفه بهذه المقالات المباركه نور الله قلبك بالايمان وبارك الله في عمرك ورزقك وذريتك