ابتسم واحتضن ألمك

الزيارات: 2140
التعليقات: 0
https://www.hasanews.com/?p=6668664
ابتسم واحتضن ألمك
بقلم /أمل الحربي

حين سرقت مجوهرات صوفيا لورين أثناء وجودها في لندن اكتأبتوحزنت حزناً بالغاً، وظلت تبكي طوال الوقت وقف إلى جوارها في تلك المحنة المخرج العالمي ( فيتوريو دى سيكا) و قال لها: وهي في نوبة بكاء شديدة وفري دموعك يا صوفيا   كلانا من أبناء نابولي الفقراء خرجنا من تحت الرماد ، وأقمنا أنفسنا كسبنا كثيراً، وخسرنا ثم كسبنا لأن المال يأتي ويذهب انفجرت في وجهه باكية :أنت لا تفهم شيئاً، كانت تلك المجوهرات والحلي جزءاً مني ))      

أمسك صديقها المخرج منديلا” ليمسح لها الدموع برفق وقال لها مقولته لا تبكِ أبد أعلى شيء لا يمكنهُ البكاء عليكالشهيرة:

بمعنى آخر لا فائدة من البكاء ، أن خرجت الأمور عن سيطرتك ، وأصبحت تتجه لمجهول لا تعرف له طريق ، ولا من أين له تسير ؟

بعيداً عن قصة  جواهر صوفيا لورين المسروقة ، يحكى أن اديسون استيقظ ذات يوم من النوم على مشهد اشتعال النار في معمله، حيث التهمت النيران كل أوراقه ،وأبحاثه وأدوات مختبره، وكان حينها في السبعين من العمر كان الحريق كبيراً يصعب السيطرة عليه .

وقف الرجل العجوز بهدوء يشاهد ألسنة اللهب، مما دفع ولده الذي جاء مُسرعاً لمشاهدة المأساة أن يقول:

“اقتربتُ من أبي وأنا خائف مما يمكن أن تفعله تلك المصيبة به، لأنه يشاهد جهد عمره يحترق أمامه”.

غير أن المدهش هو ما حدث، حيث فُوجئ الابن بابتسامة هادئة قد افترشت وجه أبيه، والذي قال حينما رآه:

“أيقظ أمك يا بني؛ لتشاهد هذا المشهد الفريد، أظنها لم تر ناراً بهذا الشكل من قبل!”

توقف الابن مذهولًا وقد ظن أن ثمة شيء قد أصاب الأب من أثر المصيبة، إلا أن أديسون قال له وقد فطن إلى ما يدور بخلده:

“لدينا غداً فرصة لبداية جديدة خالية من أخطاء الأمس”.

هاتان القصتان المؤسفتان تفسران فلسلفة كلامنا منا في التعامل مع المصائب التي تحدث يقينًا ، سيموت مَن نُحب، ويخون من نثق به، ويضيع ما نتمنى دوام امتلاكَه ، ويخذلنا من توقعنا منه الكثير ، ويتركنا من عاهدنا على الوفاء .

ستحدث المصائب لأننا لا نملك قواعد اللعبة ، ونجهل الأقدار المكتوبة لنا ، ولا نملك تفسير حدوثها ولماذا حدثت وتحدث لنا ،ولغيرنا ؟

عندما تقع المصائب لا، شك أنها ستنال منك مهما كانت قوتك ، وتترك آثارها في ملامحك المكفهرة ، وذهنك الشارد ، وقلبك الحزين ، وفقدان الشقف  لما حولك ،وحتى الحياة نفسها .

فقد تحولك  لبقايا آدمي ميت وأنت حي ، أو لعجوز يتحضر وأنت في عنفوان الشباب ،أو شبح هزيل رغم أنك لا تعاني من داء .

تنتظر لمجهول لا تعلمه ، ساخطاً على البشر وأن لم تعرفهم .

غارقاً في بحر البؤس ، تتجرع أحزانك على مضض ، وتمضغ أوجاعكحين  ينزعك الجوع   .

بكلا الأحوال أنت بطل   المأساة ، ومن يتنقل بفصولها لنهاية    ، وفي الأخير عليك أن تُحي الجماهير ،وأنت تهم في مغادرة المسرح  .

عش لحظاتك التعيسة بروح أنيقة ، وقاوم ضعفك بكل ما استطعت  ،وتأدب في حديثك مع الله أولاً ، ومن حولك.

لا بأس أن تبكي يقول :  ساندرا سراج( أنا بخير أحتاج فقط من حين لأخر أن أنعزل، و أبكي كثيراً أحتاج أن أتنازل عن قناع ” القوة ” الذي ارتديه أنا بخير و لكني أحتاج احياناً أن أعبر عن كوني لستُبخير).

كن واقعياً مع نفسك لا تغرق في فخ الإيجابية لتجعل من نفسك الضحية تدفع ثمن أخطأ الآخرين.   ، وتقع في مصيدة نوياهم السيئة ، وتجني الخيبات دائماً

وكذلك لا تسقط في فخ السلبية وتجلد ذاتك ، وتمزقها بأنياب السخط ، وتكبلها بقيود العجز .

عش تلك اللحظات العصبية  مع القلوب التي تحبك بصدق ، ومن تشاطرك نفس الشعور ، وتشارك ذات الألم  .

قد لا ترى دموعهم لأنها تبكي بعيداً عنك ، وتحرقها آهاتك دون أنتقترب منك ، وتطمئن عليك وأن أغلقت أبوابك دونهم .

تتسلل إليك رغم النوافذ المُسدلة  ، وتزورك في زنزانة عزلتك ، وتقتحم وحدتك بلا استئذان منك .

تأكد  من قلقها عليك حتى أن تظاهرت أمامك بغير ذلك ، وحرصها على مساعدتك وأن جلست  بجانبك دون أن تنطق بحرف .

بل قد تسرد عليك قصص في الأمل وهي المنهكة باليأس ،و تمد لك طوق النجاة وهي الغارقة بالوحل ، وتقرأ  لك بطولات وهي ممرغة بشتى الهزائم .

هؤلاء البشر هم رسائل سماوية يهون معهم الجانب القبح من الحياة ، وهبات لطيفة من الله تزيل بشاعة  بعض البشر ، في الغالب ستكون عائلتك أو شخص ما تعني له الكثير .ولن تجدهم في أغلب الناس حولك .

كلنا في مصيدة الأقدار ، تُوزِّع علينا الحياة أوراق اللعب، والحقيقة أن الفائز ليس فقط من يملك أوراقًا جيدة، وإنما من يقدر على اللعب جيدًا بالأوراق السيئة كما فعل اديسون .

في تلك اللحظات الشرسة التي تد اهمنا موجات الإنطفاء ، ونفقد شقفنا للأشياء التي كنا نحلم بها ، وتفجعنا الأقدار بما لم يخطر لنا على بال .

علينا  الاستمرار باللعب في ذات  الأوراق السيئة ، هي فرصة لتتوقف عندها  ، نعيد ترتيبها ، ونبدأ من جديد ، إحدى محاولاتك لأبد أن تنجح .

كن فخوراُ بكل تلك الندبات  الخفية التي تركت آثارها داخلك ، والتي لم يلاحظها أحد لكنك تجاوزتها في نهاية الآمر.

 و مُمتناً  لليالي التي بكيت فيه وحدك ، وشاكراً للقلوب التي شاطرتك أوقاتك المريرة دون ضجر ، ورافقتك لآخر الطريق رغم الوحشة ، وتحملتك في أسوأ حالاتك ،وتمسكت بك رغم الهزيمة ، ودافعت عنك حتى عندما  حكمت على نفسك  .

لتعود للحياة من جديد، وداخلك إنسان أخر بروح أقوى ، وفكر أعمق ، ونضج تهدية لك الأيام .

                       

التعليقات (٠) اضف تعليق

اضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>