تلفت أي نظر قراءة عنوان هذا المقال؛ فهو يبدو غريباً وغير منطقي بعض الشيء، وخارج نطاق الأطر المألوفة في أدبيات القيادة، ولكن عند البدء بقراءة بنيته الداخلية، ستتضح منطقية هذا الطرح وعقلانيته إلى حد ما، ومرجعية ذلك: مكون البنية الفكرية التي تتمثل في القيادة كمحور رئيس في حراك مسارات وقوة علاقات الكيان، مما يستوجب رصد ودراسة وتحليل فكر تلك الشخصية ومنهجيتها، من حيث مستوى علاقاتها، وتوقعاتها، وتوجهاتها، وبواعثها، ورؤيتها، التي تقرر لنا درجة التوجيه المتوقع تحقيقه للفكر القيادي.
ووفقاً لتلك المعطيات، سوف تكون قيادتنا لتلك الشخصية من خلال توصيف المرتكزات الخمسة الآتية:
1/ منهجية الإدارة Management Method
يمكن فهم أبعاد هذه الشخصية وخطوطها الرئيسية من خلال طرح حزمة من الأسئلة التي تقودنا إلى إيجاد وتفعيل علاقات مغايرة عن الأطر المألوفة:
-هل هذه الشخصية منفتحة أم منغلقة في حواراتها ومناقشاتها Extrovert or Introvert؟
– هل تميل هذه الشخصية لمعرفة التفاصيل قبل اتخاذ أي قرار؟
– هل تفضل هذه الشخصية الحوارات الجماعية أم الفردية؟
– ما هي القيم التي تؤمن بها وترغب في تجسيدها؟
-ما هي الموضوعات التي ترغب في مناقشتها والتي لا ترغب في الحديث عنها؟
-ما هي قراءتك للغة الجسد التي تكشف مستوى حالتها المزاجية؟
إن محاولة الإجابة على تلك الأسئلة، ستفتح آفاق وأنساق جديدة من فهم أبعاد هذه الشخصية، مما سيمكنك من محاولة قيادة منهجيته في الإدارة بوعي وفكر متوازيين.
2/ الرؤية والأولويات Vision and Priorities
لكل قيادة فلسفتها ورؤيتها في مواجهة التحديات والمصدات التي تعترض الحركة المستقبلية للكيان، حيث تتباين أدوات المعالجة في تصحيح انحراف مساراتها، ووفقاً لهذا المرتكز يجب العمل بذكاء ومهنية عالية للتعرف على تلك الفلسفة والرؤية التي يؤمن بها ويتبناها، حيث تحرص بعض القيادات على أن يكون وجودها مؤثرا وفاعلا ومحوريا في المواقف المفصلية، لذا فمن المهم للتعامل الإيجابي الفاعل مع هذه القيادة مراعاة التساؤلات الآتية:
-كيف يمكنك دعم هذه الشخصية المحورية في تحقيق رؤيتها الاستراتيجية؟
-ما هي المستجدات التي تشكل حزاماً من القلق المستمر (مالية-علاقات-موارد بشرية- تخطيط)؟
-كيف يمكنك دعمها ومساندته في تحقيق مبادراتها التي تشكل أولوياتها الاستراتيجية؟
3/ الفكر القيادي Leadership Thinking
هذا المرتكز يمكن التعرف عليه من خلال رصد الممارسات والعلاقات اليومية التي تصوغ فكره القيادي وتشكله، وهذا يستوجب فتح دائرة من التساؤلات:
-هل قيادته التنفيذية تبدي ارتياحا من سلوكه القيادي؟
– هل لدى قيادته التنفيذية مخاوف من مناقشته ومحاورته؟
– هل يميل للجلوس طويلاً في مكتبه أو يمارس مبدأ Fly The Desk؟
– هل نمطه القيادي Micro or Macro؟
والحقيقة أن لكل قائد هويته المتفردة، وعند دراستها لا بد من بناء صورة موضوعية وصادقة لتلك الشخصية، لأنها تمتلك أدوات التأثير العميقة على بنية العلاقات الإنسانية داخل الكيان وخارجه.
4/ العلاقات Relationship
يميل قائد الكيان إلى تكوين علاقات راسخة وعميقة مع أصحاب الإنجازات، ويرفض العلاقات التي لا تمتلك مساحة منطقية ومقبولة من الأناقة والرشاقة الأدبية والإنجاز، لذا تجب ملاحظة ورصد قائمة القيادات التي تحض بقبوله وثنائه، وفي المقابل الشخصيات التي لا يرغب في بناء علاقات معهم ولا يميل لهم، وما معايير تكوينه الشخصي التي أثرت في مواقفه تجاه تلك الشخصيات.
هناك قيم رئيسة تصف سلوكه المؤسسي وتجسده، ولا يمكن التنازل عنها (الانضباط -الأداء المتقن-أدب الحوار)، حيث تجدر العناية بدراستها ومحاكاتها وترجمتها في سلوكك المؤسسي،شريطة ألا تسمح بذوبان ذاتك في كيانه الشخصي.
5/ الصورة الذهنية Mental Image
إن من أبسط القواعد لاكتشاف استحقاقات هذه الشخصية المحورية: معرفة مستوى العلاقة من وجهة نظره عن ذاتك القيادية Put yourself in your bosses shoes من خلال الاختبارات الذهنية التي يصوغها ويصورها عن ذاتك:
-هل يقيّم خبراتك مع نظرائك في بيئة العمل Benchmarking؟
– هل أنت عنصر فاعل في تحقيق رؤيته؟
-هل تمتلك الممكّنات الداعمة والمساندة لمبادراته؟
-كيف يقدمك للآخرين كنموذج مؤثر؟
– هل تمتلك رصيدا مليئا بالإنجازات؟
-هل تمتلك ثراء معرفيا؟
– هل لديك الجرأة على اختراق دائرة المألوفات؟
عند دراسة تلك الصورة الذهنية بمنهجية دقيقة وموضوعية، ستبدأ بقيادة مناطق التركيز في معاييره المؤسسية، وبالتحديد عند تحريك حجر الشطرنج إلى مربعي “العناية والاهتمام”،
وتقديمك لقيادات الكيان على مستوى الوحدات التنظيمية،مما سيمكنك من أن تتصدر قيادة فرق العمل وربما قيادة مفاصل الكيان.
ومن خلال استعراض المرتكزات الخمسة الآنفة الذكر، استبان لنا بأن التمكن وإتقان تلك المرتكزات وتفتيتاتها بمهنية عالية، ستقودك إلى امتلاك ممكنات التأثير والتوجيه الفكري والقيادي لتلك الشخصية المحورية في مرحلتها المستجدة، مع التأكيد على رفع سقف تطوير السلوك المؤسسي Organizational Behavior بمنهجية متباينة عن سابقتها، حتى تكون جديرة بأن نطلق عليها Leading Up.