منذ أقدم العصور كانت الأحساء من أزهى مناطق الجزيرة العربية حضارةً وأخصبها أرضاً وأغزرها مياهاً وأكثرها خيرات وأقواها صلةً بالأقطار المجاورة للجزيرة يقول الدكتور عبدالله بن علي المبارك يرحمه الله لو تتبعنا أقوال المؤرخين في رسمهم لصورة شرق الجزيرة العربية وتاريخه الحضاري لوقفنا على حقيقتين أولاهما أن هذه المنطقة كانت ملتقىً لكل حضارات الإنسان القديم وثانيهما أنها كانت مبدأً لحضارةٍ عريقةٍ ونقطة انطلاقٍ لشعوبٍ هاجرت منها لتشيد حضاراتٍ في أودية الأنهار وفي الشام وفي الشمال الأفريقي وكثيرٍ من بلاد العالم المعروف قبل الميلاد.
شهدت كل الديانات
الدكتور عبدالرحيم بن يوسف المبارك المهتم بتاريخ شبه الجزيرة العربية يؤكد بأن حضارة الأحساء سبقت حضارة بلاد الرافدين وتعود للألف الخامس قبل الميلاد وأن أقدم القبائل العربية التي سكنتها قبيلة (تنوخ) ثم (الأزد وإياد وبكر بن وائل وتميم) وهي من أكبر القبائل في شبه الجزيرة العربية وكذلك قبيلة (عبدالقيس) وهي أول القبائل التي دخلت في الإسلام ويعود الفضل لها في اعتناق سكان هذه البلاد للدين الإسلامي في وقتٍ مبكرٍ مشيراً إلى أن الأحساء شهدت دياناتٍ مختلفةً قبل الإسلام ومنها الوثنية واليهودية والنصرانية.
سكنتها أمم
وأكد مؤرخ الأحساء الشيخ عبدالرحمن بن عثمان الملا بأن أهمية الأحساء قديماً من الناحية التجارية والاقتصادية وكونها أرضاً خصبة رشحها لتكون من أهم مواطن الاستيطان البشري حيث دلت الآثار على أنها من أقدم المناطق التي استوطنها الإنسان لذا سكنتها أمم كثيرة منها قبيلة جاسم وهي من أشهر قبيلة عاد والأجناس السامية والفينيقيون الذين كان لهم دور بارز في الإسهام في صياغة الحضارة الإنسانية وهم أول من وضع الأبجدية التي هي أساس العلم والتعلم وأول من دجَّن الجمل الهجين وشرع الشراع وعرف أسرار الرياح الموسمية وصنع الدبابة وآخر سكناها القبائل العربية وأولها قضاعة وإياد وعبدالقيس وقد تمتعت في الزمن الغابر بنهضةٍ اقتصاديةٍ من أهمها تجارة اللؤلؤ والمسك والمنتجات الزراعية وكانت أسواقها تماثل سوق عكاظ والمجنة وتمثل مهرجاناتٍ أدبيةً وعلميةً وثقافية وقال من أهم أنماط الثقافة فيها الأديان ومنها الوثنية والنصرانية واليهودية ولا عيب في وجود ذلك لأن الشرك موجود في كل الأقطار وامتزاج هذه الأديان وتلاقحها أوجد مجتمعاً حضارياً متكاملاً ثقافياً واقتصادياً وتجارياً أما صورة المجتمع عند ظهور الإسلام فهي صورة مشرقة تجلت فيها أبرز ملامح الفكر والتحضر والثقافة حيث دخل أهلها في الإسلام دون قتال مما يدل على نضجهم الحضاري ورقيهم الثقافي والفكري وخير شاهدٍ على ذلك كثرة الشعراء بينهم آنذاك والمدارس التي تدرس القراءة والكتابة والتي كانت ملحقةً بالكنائس وفي الأحساء من عرف الوحدانية قبل ظهور الإسلام وقد أسهم أهلها في الجهاد منذ فجر الإسلام إسهاماً حقيقياً وفي دعم الخزانة الإسلامية الناشئة فأعظم مبلغٍ نقله إليها عبيده بن الجراح كان من هجر واختلفت الروايات في مقداره ما بين 100 إلى 150 ألف وذكر الملا أن عبيده بن الجراح هو أول من أشار على الرسول صلى الله عليه وسلم بلبس الخاتم عندما رآه مستعملاً في الأحساء ومضى قائلاً في القرن الثالث الهجري منيت البلاد بركودٍ وتخلفٍ شديدين لأن إنشاء البصرة أثر عليها اقتصادياً فهاجر الكثير من أهلها إلى البصرة إضافةً إلى حركة القرامطة التي استطاعت بما بلغته من القوة أن تحتل الشام والعراق فيما عدا بغداد وتقتل العلماء والعامة غير أن أهل الأحساء قاوموها باستبسال فمنهم من استشهد ومنهم من فرَّ بدينه لنشره في الهند وشمال أفريقيا مؤكداً بأن مدينة مقديشو أنشأها ستة أخوة فروا من الأحساء حتى تم القضاء على القرامطة على يد الأمير عبدالله بن علي العيوني الذي ظل يقاتلهم لمدة سبع سنوات انطلاقاً من حماسه للعقيدة وقد استعان في هذه الحرب بالخلافة العباسية فأسعفته بسبعة آلاف مقاتل ألحقوا بهم هزيمةً نكراء بعد ذلك جاءت الدولة العثمانية التي اتخذت من الأحساء قاعدةً حربيةً لنشر الإسلام وأبان الشيخ عبدالرحمن الملا بأن أول من بنى واختط مدينة الهفوف هم العثمانيون الأوَل أما مدينة المبرز فأول من أحياها واستحدثها هم بنو خالد.
عيون وغابات
ويؤكد الدكتور فهد بن علي الحسين بأن الأحساء اسم أطلق على المنطقة خلال القرن الرابع الهجري مجسداً وفرة المياه الطبيعية المختزنة تحت طبقات الأرض وكانت تتدفق داخل هذه الواحة أهم ينابيع المياه منذ غابر الزمن وهي عيون جارية استغلت من قبل السكان ومن بين أقدم العيون المكتشفة فيها عين (قناص) بمدينة العيون ويعود تاريخها إلى 4500 سنة قبل الميلاد واتضح أن مواقع بعض العيون الواقعة حول الهفوف والطرف والكلابية وجواثا والمبرز والعيون والمطيرفي كانت مواقع لاستيطانٍ قديمٍ يرجع زمنه إلى 5000 سنة قبل الميلاد ويربط الحسين تسمية الأحساء بوفرة المياه في باطن أرضها وتدفقها منذ زمنٍ موغلٍ في القدم مما جعلها من أكبر الواحات الزراعية
في الشرق الأوسط ويقول أن الأحساء قبل أن تكون واحةً كانت غاباتٍ استوائيةً مثل غابات الهند وتتصف بنفس مناخها الاستوائي وحدثت التغيرات المناخية لها منذ 17 ألف سنةٍ وعلى إثرها تكونت الصحراء فاختفت الغابات الاستوائية والبحيرات والأنهار والدراسات التي أجريت فيها لم تعثر إلا على مواد تدل على العصور الحجرية الحديثة في نواحي جواثا وجبل الأربع ومتوقع وجودها في داخل المدن ولكن لم تُجرَ حتى الآن دراسات بحثية وتنقيبية في المدن.
ذكر الله ونبيِّه أهلها
وبين الدكتور عصام بن عبدالعزيز الخطيب بأن قبيلة بني عبدالقيس من أهل الأحساء وهذه القبيلة كانت من فصحاء العرب وكان لهم فضل السبق إلى الإسلام طوعاً حيث أسلموا طائعين غير مكرهين فلم يحتاجوا إلى جيشٍ يرسله الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يأمرهم بالإسلام وقد نوَّه الله بذكرهم في كتابه الكريم حيث روى الطبري في تفسير قوله تعالى (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً) عن مطر البراق قال أسلمت الملائكة طوعاً والأنصار طوعاً وعبدالقيس طوعاً والناس كلهم كرهاً وروى القرطبي في تفسيره أيضاً لتلك الآية عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبدالقيس في الأرض ويعلق الخطيب على ذلك قائلاً إن الإشارة إلى عبدالقيس في الآية وبلادهم الأحساء منحها كرامةً خصها الله بها في كتابه الكريم وعد ذلك من فضائلها إذا تفاضلت المدن والبلدان وأضاف لما ارتدت العرب بعد وفاة الرسول عليه السلام ثبت عبدالقيس على إسلامهم فقد جمعهم الجارود الصحابي الجليل رضي الله عنه وقام فيهم خطيباً فقال أتعلمون لله أنبياء قبل محمد قالوا نعم قال ما فعلوا قالوا ماتوا قال فإن محمداً عاش كما عاشوا ومات كما ماتوا فلم يرتد من بني عبدالقيس أحد وهذا دليل كما يقول الخطيب على علم عبدالقيس بالنبوَّات فلذلك خاطبهم الجارود وحجهم بما عندهم من العلم فكان العلم أصلاً في الأحساء منذ أقدم العصور وكانت مدينة عبدالقيس وهي (جواثا) لا يسكنها غيرهم.
أكبر مدينة
أومأ الشاعر سعد البراهيم إلى ما تميزت به الأحساء من مكانةٍ أدبيةٍ وعلميةٍ وثقافية بالإضافة لأهميةٍ فائقةٍ في بيئتها وطقسها ونخيلها ومياهها العذبة الرقراقة مما جعل الأمم تتعاقب على سكناها وتتعدد تدوينات المؤرخين لها وعدد الجبال التاريخية في الأحساء التي شهدتها منذ 2000 سنة ومنها جبل الشبعان المعروف بجبل القارة والمشهور ببرودة كهوفه صيفاً ودفئها شتاءً وجبل المشقر الذي اختفى من على ظهر الأرض في مدينة المشقر وذكر ياقوت الحموي أنه من جبال الأحساء بالإضافة لجبل الرمانتين المعروف بجبل الأربع في الهفوف وقد سماه الشاعر طرفة بن العبد بجبل ثهمد وقال البراهيم في الأحساء الكثير من الوديان ومنها تفجرت الينابيع والعيون ومن عيون الأحساء الشهيرة عين الملحم التي تسمى بعين نجم وسميت نسبةً لرجلٍ منذ آلاف السنين ولها نهر ممتد إلى الشرق يسقي كثيراً من العيون وعين البحيرية وعين الحارة وعين أم سبعة وعين الحقل وعين اللويمي وعين الجوهرية وقد وصفها الكثير من الشعراء قديماً وحديثاً مؤكداً بأن الأحساء أكثر بلاد العالم تمراً ونخلاً وهي أكبر مدينة في الزمن الغابر وملأت كتب الأدب والتاريخ وأشار إلى ميزةٍ فريدةٍ في أهل الأحساء وهي تعلقهم في بلادهم وشوقهم وحنينهم الشديد إليها ومن آثار الأحساء منطقة جواثا التاريخية وهي مدينة عبدالقيس ولما أسلموا بنوا فيها مسجداً صليت في ثاني جمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ومنطقة الجرعاء وهي مدينة في هجر ويقام فيها سوق موسمي يفد إليه التجار من الهند والصين وفارس عن طريق ميناء العقير يبيعون ويبتاعون وهي دار ابن تميم القبيلة العربية المعروفة بالإضافة لمنطقة العقير وهي قرية تقع على شاطئ الخليج في الجزء الشرقي من هجر وميناؤها المعروف تستورد بواسطته البضائع التجارية من مختلف البلدان.
توجد عندي ملاحظة على التقرير بالنسبة لوجود العديد من الديانات فالاحساء قبل الاسلام اليهودية والمسيحية ليس سببه انتشار الشرك بل ان فطرة الانسان السليمة من يوم خلق الخليقة وابونا ادم ان يتبع الانسان دين سماوي يرشده الى الهدى والصلاح وعبادة رب قادر على كل شي ولما جاء الاسلام اسلمت عبدالقيس ومن حولها من القبائل الهجرية لتحضرهم ورقيهم ويقينهم بوجود دين سماوي جديد بعد المسيحية، فالعراق نبي الله ابراهيم وفي مصر موسى وهارون وفي الجزيرة العربية محمد(ص) وهكذا كل قوم لهم رسول او نبي الا محمد فهو خاتم الانبياء مرسل للعالمين جميعا رحمة.
شكرآ الأستاذ عبداللطيف الوحيمد تعجبني كتاباتك أتمنى من الناس يقرأوا تاريخهم وتاريخ منطقتهم هذه هي الثقافة ..أتمنى منك ومن المثقفين بتكثيف الجهود لتصحيح
مفاهيم المجتمع وتطويره
للأسف كثير من المجتمع ينظرون للشخص اللي يركب سيارة آخر موديل ويلبس ساعة ماركة وكل أغراضه ماركة أنه هذه الحضارة والرقي ولو تسأله عن تاريخ المنطقة ومسائل علمية لا يعرف شيء .. تحياتي لك أستاذ عبداللطيف
لم اسمع لا من مؤرخين ولا من شيبه ولم اقراء من قبل في تاريخ الاحساء ان عين النجم تسمى عين الملحم …!!!!؟
الرجو التثبت من النقل والحرص بنقل المسميات كما هي من غير اضافات فالناقل مسؤل عن نقله للماده العلميه مهما كانت
عين محلم و ليس ملحم و هي التي تعرف الآن بعين الحاره بالمبرز هذا حسب المصادر و الوثائق التاريخية اما عين نجم هذا هو اسمها ولم يتغير
التعليق
السلام عليكم.
هل الأحساء فى مدينة أو منطقة (سنار)
اااا🥀